أحلام الخادم الوصابي ...
(قصة مقتبسة من الواقع) <<< بقلم : أميرة وصاب
صاح الديك معلنا حضور شمس خجلة في سماء وصاب الملبدة بالغيوم بعد ليلة ماطرة ، ومع صياحه كانت فاطمة هي بدورها تصيح بسبب آلام المخاض ...
وبعد لحظات ، علت صرخات بريئة في وصاب ..كانت لمولود جديد يعلن حضوره أو ربما خوفه من المستقبل ، بعدها تعالت التهنئات بالمولود الجديد الذي سرعان ما أسماه الحاج سعيد بــ "الخادم" خوفا عليه من الموت خصوصا وأن شبح ذاك الموت قد سرق أربعة من أبنائه بعد الولادة مباشرة .
ترعرع الخادم في عائلة بسيطة وكان هو وحيد والديه ولذلك فضل والداه عدم ذهابه إلى المدرسة خوفا عليه من أي مكروه قد يصيبه ، تغذى الخادم على حب مفرط من والديه جعله مرهف الإحساس كثير الأحلام رقيق الطباع جميل الخلق ،وقد أحب ابنة عمه جميلة ولم يعترض أحد على حبهما وسرعان ما تزوجا و أنجبا ثلاث بنات فاطمة ، نوريه ، ابتسام ، على التوالي
كان الخادم يعمل بالحقل مع والديه ويسكن هو وزوجته معهما بما أنه وحيدهما ولم يكن هناك غيرهم لخدمتهما في أعمال الحقل والمنزل ،
في نهار أحد أيام الجفاف " القحط" المتعبة في وصاب وبينما كان "الخادم " يعمل في الحقل أصيب بالإغماء تبعه إعياء أسعف على إثره للحديدة ،وهناك علم "الخادم " بأنه قد ورث داء السكري عن والده في الوقت الذي كانت مسؤولياته تكبر تجاه عائلة تكبر وتحاصره بالطلبات، حينها حاصرته الهموم مغلقة جميع الأبواب ولم يجد سوى شعاع الغربة التي أغرته بالمال و العلاج .
كان الخادم يعلم صعوبة الوضع ، فلم تكن عائلته تملك سوى بيتا صغيرا وبعض الأراضي التي تعيش العائلة على حصادها، ولن يجد العمل في العاصمة وأن وجده فلن يكفيه لقمة عيشه ، فقرر الخادم الاغتراب حالما بأن يعود بالملايين كما عاد غيره ..!
حينها ذهب الخادم إلى السعودية لأداء فريضة العمرة وقد عقد النية على البقاء هناك للعمل ، وكانت هذه أبسط الطرق المتاحة لديه ، حيث لم يملك ثمن الفيزا للسعودية او أي بلد آخر
لجأ الخادم إلى أقربائه ليساعدوه على العمل في السعودية ولكن خوفهم من إقامة الخادم غير النظامية في البلاد منعهم من مساعدته ، وفي نهاية المطاف وجد أحد أبناء قريته الذي وافق على تشغيله لديه ومساعدته،
كان ما يتحصل عليه خادم من مرتب لا يكاد يكفي ثمن علاجه وأكله ومشربه وما يتبقى منه يرسله إلى أهله في وصاب ، وما زاد صعوبة الأمر عليه هو الخوف الذي يتعرض له كلما شاهد بدله عسكرية ، خوفا من ترحيله وما قد يتعرض له من متاعب و إذلال خصوصا مع سوء حالته الصحية ،
استمرت غربة الخادم خمس سنوات لم يتمكن خلالها من زيارة أهله وذلك بسبب إقامته الغير شرعيه ، فقد كان وضعه أشبه بفأر داخل المصيدة يحوم حول قطعة جبن ، وبعدها أتت حركة تصحيح لأوضاع المخالفين مكنته من تسويه أموره وتصحيح وضعه ليصبح مقيم بصوره رسميه ونظامية في المملكة
حينها قرر بلهفة زيارة عائلته التي لم يعتاد هو ولا هم مفارقته ، ولم تلبث زيارته كثيرا فلم يمضى سوى ثلاثة أشهر أضطر بعدها للعودة بسبب نفاذ ما ادخره من مال وسوء حالته الصحية لعدم وجود عناية طبية في وصاب
بعد رجوعه للسعودية بشرته جميلة بأنها حامل فدعيا الله كثيرا أن يرزقهما ولد صالح يشتد به في كبره خصوصا بسبب حالته الصحية وخوفه على أهله من بعده ، وبعد مرور شهور الحمل هاهو ولده الذي اسماه عبد الله يعلن حضوره ليطير الخادم فرحا بولد يحمل اسمه بعد ثلاث بنات ، ولكن تعرض زوجته لنزيف حاد أثناء الولادة جعل والده يسرع لنقلها إلى المدينة ويشاء الله أن يأخذ أمانته في الطريق قبل وصولها لأقرب مدينة وهي الحديدة ، ليصبح أبنائه أيتام الأم والأب ..فقد سرق الموت أمهم وسرقت الغربة أبيهم،لم تمض بعدها 24 ساعة إلا وقد ذهب عبد الله إلى جوار أمه ليجد السكينة التي افتقدها في غياب والديه ، لتسرق الآلام الفرحة وتزرع الحسرة في قلب الخادم الذي فقد حبيبين في نفس الوقت ويتملكه الخوف على بناته ووالديه ويبقى بعدها حائرا ماذا يفعل ؟!، هل يرجع إلى وصاب .. ليكون بجانب عائلته ، رغم علمه بأن حالته الصحية والمادية ستتدهور ولن يكون ذلك حل بل سيزيد الأمور سوءا؟ ،
أم تستمر رحلته بالجري وراء حلم الاستقرار و يتحمل طعنات الغربة ويحارب حنين الأهل والوطن ؟؟؟