في احدى الأسر الميسورة الحال كانت لهم فتاة جميلة "جنا" ، رقيقة ، مؤدبة ، محبة للعلم والثقافة ، تتمتع بالكثير من المرح وحب الدعابة ، ولكنها كانت إنطوائية ولديها القليل من الصديقات فقط ؛وذلك بسبب طبيعتها الخجولة والحساسة وأسرتها المتحفظة إلى حدا ما ، إختارت "جنا" دراسة الأدب العربي في تخصصها الجامعي ، لحبها الشديد للشعر والنثر والقصص ، فقد كانت تجد متعة شديدة في قراءة ذلك وتمضى الساعات والساعات دون ملل ، وما أن أكملت دراستها حتى لازمت المنزل، لأن أهلها رفضوا فكرة العمل ، بحجة عدم حاجتها المادية للعمل وفضلوا بقائها في المنزل لأن ذلك من وجهة نظرهم أولى بأن يحفظها من المخاطر .
وفي احدى الصباحيات التي لاتختلف عن غيرها سوا بأن "جنا "في هذا الصباح استفاقت على رنين هاتفها المحمول بدل أن تستيقظ على صوت المنبه .
أجابت جنا : الو ،
فإذا به شاب لم تتعرف على صوته من الوله الأولى ،
فقال لها الشاب : السلام عليك ورحمة الله ، صباح الخير ،
جنا بصوت يلحنه النعاس : وعليكم السلام والرحمة ، صباح النور .
الشاب: هذا جوال محمد ؟
جنا : لا أنت غلطان ، وأقفلت الهاتف .
وبعد ساعة تقريبا يرن هاتف "جنا" مرة أخرى ،
أجابت جنا : نعم ،
الشاب : معاكي المهندس أحمد ، أردت أن أخبركِ بأني لن أعتذر على خطئي برقمك لان ذلك أجمل خطأ ، منحني سماع أجمل صوت لأجمل ملاك في العالم .
أقفلت" جنا "الهاتف بدون أي كلمة .
ابتسمت "جنا "وقالت في نفسها : ماأرق كذباته ..!
بعد يومين عاود أحمد الإتصال وكانت إجابت "جنا "عليه في كل مرة هي إقفال الهاتف بوجهه وهي مبتسمة دون كلمة .
سألت "جنا" نفسها : لماذا أجيب على اتصالاته ؟ ولماذا افرح لسماع كلماته الغزلية ؟ ، هل سيوقعني بشباكه ؟، هو مجرد شاب لعوب يهوى اصطياد البنات ، لماذا اسمح له بذلك ؟
أجابت نفسها : ربما لأني أريد أن أذوق طعم الحب الذي أقرأ عنه بين حروف الشعر والأدب ،و اسمع أسراره من افواه صديقاتي اللاتي يصفنه بأنه يذيب قلوبهم برقة ، أم لأني أريد أن أعيش أروع قصة حب ،
وقالت في نفسها : هو لايعرف من أنا ، فلماذا خوفي ؟ ،
وبعد إسبوعين من اتصالات أحمد ، ردت عليه" جنا" السلام وقالت له : ماذا تريد يا أحمد ؟
أحمد : والله لأني عشقتك من صوتك الملائكي الذي لايمكن أن تكون صاحبته سوا ملاك طاهر ، لاتخافي مني ، اقسم بأني لن اضرك في أي لحظة ،
كيف لي أن أضرك وقد ملكت قلبي برقتك ، كيف لي أن أجرح الورد ؟ فأنا لست وحشا ً، لما كل هذا الخوف مني ؟ ، لا أريد سوا أن نكون أصدقاء ، وسأحترمك دوماَ وسأحترم كل قراراتك ولن أصر على شئ لا تريدينه .
وبدأ تعارفهما ، فأخبر أحمد جنا بأنه مهندس في شركة الإتصالات، من عائلة محترمة ميسورة الحال، وبأنه يرضى بأن تكون صديقته ، وسيصبر إلى أن تحبه كما أحبها ، وبأنه شخص شريف ولا يمكن أن يخدعها وهو صادق دوماَ بمشاعره ،واخبر عن قصة حبه الوحيدة حيث كان يحب أبنة عمه، وكانا شبه مخطوبين ، ولكن عمه زوجها لشخص غني تقدم لخطبتها ضاربا به وبخطبته عرض الحائط ،وكم تعذب لتلك القصة وبكى سنين وسنين إلى أن سمع صوتها الذي أحيا قلبه .
وبدأ مكالماتها يومياَ و التي تمتد لساعات لتشعر "جنا " بطعم الحب الذي بدأ يحتل قلبها ، كانت تبكي أحيانا لساعات لخوفها من المستقبل وتقول في نفسها ماأفعله خطأ ، أنا أحفر قبري بيدي ، ماذا لو كان أحمد يخدعني ؟ ، وتحاصرها آلاف المخاوف التي سرعان ما يسكرها حلاوة عشقها ل "أحمد" الذي بات يسكن كل أنفاسها .
كانت تجري لهاتفها بمجرد أن تسمع صوت رنينه ،وتجيب دون تردد وهي تشعر بأنها طير ملك السماء بجناحيه .
استمر الوضع لستة أشهر تقريبا ، وفي احدى المكالمات طلب أحمد من جنا أن يتقابلا خارجا ، رفضت جنا وهي مذعورة ولم تخفي خوفها من أهلها وبأنها لايمكن أن تتجرأ على ذلك .
كانت" جنا "رغم حبها المجنون لأحمد تشعر بالخوف ، وتحاول أن لا تخبر أحمد من هي ، ومن أي عائلة هي ، فقد كانت مخاوفها تقف حاجزا دوما أمامها، وكان أحمد يشعر بأن "جنا " ترفض أن تسلم قلبها للحب كلياً .
قال لها أحمد : بأنه جن بحبها ويريد مقابلتها وأمام اصراره ، طلبت جنا منه إنهاء مابينهما لأنها لاتستطيع موافقته على طلبه ،وبأن حبهما لم يكن سوا جنون ، حينها بدا أحمد منهارا وبدأ توسلاته وتساؤلاته وبأنه سينتحر أن هي تركته، وستكون هي السبب، ولن تستطيع هي مسامحة نفسها لذلك .
ضعفت جنا أمام كل ذلك وقالت له سنضل صديقين كما نحن، فوافق أحمد قائلا : أنا عبدا لك أفعلي بي ماشأتي يا أميرتي .
وبعد شهر بدأت الخلافات بينهما لنفس الطلب من أحمد بأن يقابل جنا ، وبدأ يقول لها لو كنتِ تحبيني فأنك ستثقين بي وسترغبين برؤيتي أكثر مني ، واصبح يتهمها بأنها لا تحبه وبأنها عديمة المشاعر ، قاسية ، متسلطة الفؤاد .
في آخر مشاجرة بينهما قطع أحمد إتصالاته لـ "جنا" لإسبوعين وكانت المرة الأولى التي ينقطع بها عن جنا هذه المدة .
كانت تتصل عليه ولا يرد ، فشعرت بأنه يعاقبها بالهجر على رفضها طلبه ، وبدأت تشعر بالضياع بدون حبيبها .
وبعد أسبوعين دق هاتفها وكان أحمد،
جنا -وهي منهارة تبكي- : لماذا تعافبني على حبي لك بهذا الأسلوب ؟،
أنت تعلم بأني لم أعد أطيق بعادك وقد اقسمت لي بأنك لن تعذبني ،
فلماذا تقتلني بقسوتك ؟
أحمد : إن كنت اشتقتِ لي فدعينا نتقابل ، لم أعد اطيق البعد والانتظار ، لا أريد سوا رؤيتك وأن أتحدث إلى عينيك الجميلتين ، بأن أشعر بأنفاسك قريبة مني ، ووعد مني بأن لا ألمس حتى يديك أن لم ترغبي أنت بذلك .
جنا- باندهاش- : ولكن ماذا تعلم عن جمال عيني ؟، أنت لم تراهما من قبل ،
أحمد : لقد قمت بعمل مكالمة فديو في احدى المرات، وأجبت ربما دون انتباه منك ، وقمت بتسجيل المكالمة ، ومن رقم هاتفك علمنت من أنت ،
جنا بصوت تخنقه الدموع وتكاد أنفاسها أن تقف من خوفها لما سمعته : ماذا تقول؟ ، لابد من وجود خطأ ما ، أكيد أنت لست أحمد الذي وثقت فيه وأحببته ، لما قمت بكل ذلك ؟ لقد أقسمت أنت تحترمني وأن لا تقوم بما يؤذيني ...!
واخبرته بأنها يجب أن تنهي العلاقة به ، وبأن ينساها , واقفلت الهاتف مباشرة .
نامت طريحة الفراش عدة أيام لخوفها من كلام أحمد ، وكانت تتسائل ماذا سيفعل أحمد بها وماذا يريد منها ؟ ولم تجب على اتصالاته المتكررة ولا رسائله لثلاثة أيام .
في اليوم الرابع أجابت وصوتها يكسوه التعب ،بعد أن فكرت في كل شئ ،
وقالت له: ماذا تريد الآن ، علاقتنا مستحيلة ولن تنجح ، يجب أن ينسا كلانا الآخر .
أحمد : لماذا كل ذلك ، أنا لن أؤذيكي ، فقط اريد أن اجلس معكي وأتحدث أليك ، وأن كان قرارك أن يموت كل ماكان، وكان حكمك على حبنا بالإعدام ، فيحق لي بلقاء وداع ، ووعد بأني سامسح كل شئ لك عندي ، ولن تسمعي صوتي أن اردت ذلك بعدها أبدا ، فقط أريد التحدث اليك وأن أسمع منك وجها لوجه أنك لن تحدثيني بعدها ، وألا فلن أقتنع أبدا بفراقك وسأنتظرك العمر كله .
جنا : حسنا، ساقابلك في مطعم القمر ، الساعة الخامسة عصرا وسآتي مع أختي غدا ، سأكون بانتظارك هناك .
في اليوم الثاني ذهبت جنا واختها إلى المطعم ، كانت أختها تجلس معها في نفس الطاولة تشربان القهوة ، وعندما جاء أحمد ، إنتقلت اختها لـ الطاولة المجاورة لهما لتسمح لهما بإنهاء كل شئ بهدوء، وتكون قريبة من أختها في نفس الوقت .
كانت جنا تنظر إلى أسفل ولم ترفع عينيها حتى عندما جاء أحمد و ألقى التحية عليها ، استمرت بشرب فنجان القهوة بهدوء وصمت ، وتركت الحديث لـ أحمد .
أحمد : ألن تنظري إلي؟ألا تريدين رؤيتي للمرة الأخيرة؟
هل أنت خائفة مني أم خجلة لتعذيبك قلبي الذي أحبك ؟
بدأ أحمد بلوم جنا ويطلب منها شرح عن كل شئ ، وأخبرها بأنه صادق بحبها ، وأن هي وافقت سوف يذهب إلى والدها ويطلب يدها للزواج .
حينها بدأت جنا بالبكاء ، وقالت له : أنا كفيفة ، فاقدة للبصر ،عمياء ... نعم عمياأأأأأء ، هل سترضي بي زوجة لك وأنا عمياء ، أجيبني هل سترضى بي زوجة وأنا عمياء .
سكت أحمد لفترة وهو في حالة ذهول غير مصدق لما يسمعه ،
قال لها : لما لم تخبريني من قبل ؟ لما كذبتي علي ؟
قال لها أحمد : أنت كاذبة ، لو أنك صدقتي معي ربما كنت سأتزوجك ، ولكني لا أحب كاذبة .
وتركها غارقة الدموع عاجزة عن قول شئ ، لتختلط قهوتها الباردة بدموعها الحارقة التي تنسكب من عينيها المغمضتين ،
لتذوق طعم المرارة والألم الذي دوما ما يغلفه سكر الحب .